الخميس، 7 فبراير 2019

علّمني الفشل


 امضِ ولا ترم إلى الخلف طرفة عين واحدة، دعِ الدنيا تفعل ماتشاء واترك الباقي للقدر.
هي أيامنا ترحل، ونحن كما نحن نجلس متكئين؛ نعدّ كم مرة أهان كبرياءنا الفشل. مَن تبصّر ماضيه يوماً، أيقن أن الفشل ليس إلا مفتاحاًعاجياً لباب الأمل.
في لحظة الذكرى أعدّدت مراسم عدة لتأبين لحظة الفشل الأليم، وعندما علمت معنى لعبته أحببته ,أحببت بيته، رائحة عطره، وربطة عنقه، فلولاه ماعرفت طعم النجاح ,ولم أدرك الطريق إلى الله؛ ذاك الطريق الذي جعل فطرتي الآلوهية تنساب بكل شفافية، وتخبرني أني لست وحيدة
فالله قربي يقويني عند ضعفي، ويدنيني من البسمة لحظة بعدي.
لولاه ما عرفت قيمة أرواح مررت بها في رحلتي الطفولية ,حين اعتقدت أنّ الروح تتساوى مع الجسد، لكنّ الرّوح هي الروح، والجسد ليس إلا الجسد، فإن كان الخالق أراد اجتماعهما، لابد للجسد أن يشكر نعمة الخالق, ويقدّر تواضع الروح  بقبولها أن تسكن فيه.
علّمني الفشل أن أسأل نفسي ألف سؤال, ولا أجيب على أي سؤال.
علّمني أن أقيس مدى صدق التجربة كي لا تكون النتائج إرضاء لغرور الذات، بل ظلّاً لما أريد قوله.
علّمني أن أضمّد جراح مافات بتوقعات لجراح قادمة، فالاحتمالات تنشد كل مرة توقعاً لأسوأ الأمور.
علّمني ألّا أصدق كل ما أسمع، ولا أتأثر لدموع من وقف يوماً أمامي وجعل اسمي خارطة طريقه، لعله قادني لتعميم نظرية طالما حاولت البحث عن منطق لها بين التجارب؛
 "هل حقا" للعين المادية" برهان؟"
علّمتني دموع الفشل أنّ الإحساس يولد بالفطرة، ففيه قوة الشعور بالصعود أوالهبوط،
لمَ أحزن على ماضاع مني بقصد أو دون قصد، فالحزن وتعذيب النفس ليس إلا إنكار للمواقف وتغطية السقوط بحجة أن الطريق متعرج.
علّمني أنّ الحب ليس حروفاً متناثرة، ولا وروداً مزروعة على جانبيّ العين، بل هو حسن الاختيار ,هو وقوف عند أول لقاء بلا كلام ودون صمت , كخيط يظهر لأول مرة ويختفي لآخرها؛ تنسجه يد القدر وتخفيه كي لا يُقطع أو يذبل.
علّمني أن أعيش اللحظة التي أرنو بها نفسي في أي مكان، وقبل الرحيل أن أغسل كلّ ماعلق بي من ذكريات ولحظات كي لا تنزف ذاكرتي يوماً على ذاك المكان.
علّمني الفشل أن أحصي نقاط ضعفي قبل نقاط قوتي، فلولا الأولى ما كانت الثانية ولولا الثانية لما عرفت الأولى.
علّمني أيضا ألّا أحزن على من رحل، لأني بالتأكيد أستحق الأفضل.
علّمني أن أُبكي مقلتي عوض قلبي؛ فبكاء القلب جرح ينزف بأضيق الزوايا ليجعل الدمع يتبخر قبل صعوده إلى العين , أما بكاء العين فهو الرجوع بعد الرحيل، وهو الشعاع الذي سيغسل قلبي ليغدو بستاناً من القمح  يتراقص على أنغام الرجوع.
علّمني أنّ كبريائي هو نصفي الثاني، وهو الآمر عليّ والناهي , أن أصون عرضه في حضرته وفي غيابه.
علّمني أن أكذّب عيني عندما تتحقق بعض أحلامي، ليس نكراناً للجميل, بل مهابة كون ما أراه سحابة صيف عابرة تمطر على أرضي قليلاً ثم تكمل مسيرها.
علّمني أن أرى في الخير شر وفي الشر خير, فالشر قد يقودني إلى بوابة الخير، والخير قد يهويني في قيعان الشر.
علّمني أن أبوح بكل مايختلج في خاطري، أن أقول" أحبك" لمن أحببت، لا ليعلم كم أحببته وأحبّه, بل لتحيا الكلمة عندما تتوقف عروقي عن الصراخ.
علّمني ألّا أطيل الكلام فجلّ تجاربه كانت نتيجة زيادته , أن أتخلى عن طفولتي وأرتدي سبيل النجاة من دهاء هذا الزمن.
علّمني أن أمشي رافعة رأسي بين نعامات التخفي الكاذب، ليس لأن الأرض تحت قدمي تتزلزل, بل لأني جعلت جسدي تراباً ترقد الأرض فوقه.
علّمني أن أبتسم عندما أذكر حروفاً مررت بها أثناء هجرتي للمستقبل, فالاحتفاظ بقيمة الذكرى دليل على قيمة معنى الأمس مقارنة مع اليوم.
علّمني الفشل أن أرى انعكاسي في مرآة الحياة كما هو دون زيادة أو نقصان , فما أعطاني إياه الله من الداخل والخارج أكبر وأجمل من أن أزيده أو أنقصه.
علّمني أن أمشي وأدع القدر يفعل ما يريد, فأنا أمشي وهو يمشي، قد نلتقي يوماً ونصبح أصدقاء طريق، وقد نبقى مدى الحياة نسير دون أن تلمس يدي يديه، ونكتفي بالتقاء خطواتنا على خارطة المسير مع شعور دون يقين أننا سنلتقي يوماً.


صبا حبوش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق